الأحد، 25 أبريل 2010

الحوار وقاية من العنف



هناك علاقة تبادلية بين الحوار والعنف ، بمعنى أنه كلما كان الحوار نشطاً وإيجابياً وصحياً كلما قلت نزعات العنف ، وكلما انسدت قنوات الحوار أو ضاقت أو تقلصت كلما ازدادت نزعات العنف . ولكي تتضح هذه العلاقة فسنستعرض بإيجاز بعض التعريفات والآليات والمحددات للعنف والوسائل الوقائية منه ثم نتبع ذلك باستعراض بعض مفاهيم وأنماط الحوار فى حالاته السلبية والايجابية، وذلك سعيا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الحوار الصحي النشط الذي يثرى الوجود البشرى ويجنبه الآثار السلبية لنزعات

محددات العنف : ( Aggression Determinants )

المحددات الاجتماعية :
(1) الإحباط : ويعتبر هو أهم عامل منفرد في استثارة العنف لدى الإنسان وليس معنى هذا أن كل إحباط يؤدي إلى العنف ، أو أن كل عنف هو نتيجة إحباط ( Dollard et al,1939 ) ولكي يؤدي الإحباط إلى العنف فلابد أن يتوفر عاملان أساسيان :
أولهما : أن الإحباط يجب أن يكون شديدا ، وثانيهما : أن الشخص يستقبل هذا الإحباط على إنه ظلم واقع عليه ولا يستحقه ، أو أنه غير شرعي .

(2) الاستثارة المباشرة من الآخرين :- وربما تكون هذه الاستثارة بسيطة في البداية كلفظ جارح أو مهين ولكن يمكن أن تتضاعف الاستثارات المتبادلة لتصل بالشخص إلى أقصى درجات العنف.

(3) التعرض لنماذج عنف : وهذا يحدث حين يشاهد الشخص نماذج للعنف في التليفزيون أو السينما ، فإن ذلك يجعله أكثر ميلا للعنف من خلال آليات ثلاثة هي ( Kaplan & Sadock,1985 ) :

أ- التعلم بالملاحظة : ( Observational Learning ) :
حيث يتعلم الشخص من مشاهد العنف التي يراها طرقاً جديدة لإيذاء الآخرين لم يكن يعرفها من قبل .

ب- الانفلات ( Disinhibition ) : بمعنى أن الضوابط والموانع التي تعتبر حاجزا بين الإنسان والعنف تضعف تدريجيا كلما تعرض لمشاهد عنف يمارسها الآخرون أمامه على الشاشة .

ج- تقليل الحساسية ( Desensitization ) : حيث تقل حساسية الشخص للآثار المؤلمة للعنف وللمعاناة التي يعانيها ضحية هذا العنف كلما تكررت عليه مشاهد العنف ، فيصبح بذلك أكثر إقداما على العنف دون الإحساس بالألم أو تأنيب الضمير .

· المحددات البيئية ( Enviromental Determinants ) مثل تلوث الهواء والضجيج والازدحام ... إلخ
· المحددات الموقفيه ( Situational Determinants ) :

1- الاستشارة الفسيولوجية العالية : مثال لذلك المنافسة الشديدة في المسابقات ، أو التدريبات الرياضية العنيفة ، أو التعرض لأفلام تحوي مشاهد مثيرة .

2- الاستثارة الجنسية : فقد وجد أن التعرض للاستثارة الجنسية العالية ( كأن يرى الشخص فيلماً مليئا بالمشاهد الجنسية ) يهئ الشخص لاستجابات العنف .

3- الألم : فحين يتعرض الإنسان للألم الجسدي يكون أكثر ميلا للعنف نحو أي شخص أمامه .

· المحددات العضوية : ( Organic Determinants )

1- الهرمونات والعقاقير : تعزو بعض الدراسات العنف إلى ارتفاع نسبة هرمون الأندورجين ( الهرمون الذكري ) في الدم ، وإن كانت هذه الدراسات غير مؤكدة حتى الآن .
ويؤدي استعمال العقاقير كالكحول والباربتيورات والأفيونات إلى زيادة الاندفاع نحو العنف .

2- الناقلات العصبية : بشكل عام ترتبط زيادة الدوبامين ونقص السيروتونين بالعنف ، في حين أن زيادة السيروتونين والـ GABA تؤدي إلى التقليل من السلوك العنيف .

3- الصبغيات الوراثية : أكدت دراسات التوائم زيادة نسبة السلوكيات العنيفة في توأم أحادي البويضة إذا كان التوأم الآخر متسما بالعنف . وأكدت دراسات وراثية أخرى زيادة العنف في الأشخاص ذوي الذكاء المنخفض ، وفي أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي للاضطرابات النفسية وهناك احتمال لم يتأكد بشكل قاطع أن الأشخاص ذوي التركيب الكروموسومي XYY يميلون لأن يكونوا أكثر ميلا للعنف .
الوقاية والعلاج :
(1) توجيه العناية نحو الفئات الهشة ( الأكثر قابلية لاستثارة العنف ) للتعرف على مثيرات العنف لديها ومحاولة خفض هذه المثيرات .

2) دراسة حالات العنف دراسة علمية مستفيضة لاستكشاف الجوانب العضوية والنفسية والاجتماعية التي تحتاج إلى علاج .

3) الحوار الصحي الإيجابي لإعطاء الفرصة لكل الفئات للتعبير عن نفسها بشكل منظم وآمن يقلل من فرص اللجوء إلى العنف .

4) التدريب على المهارات الاجتماعية ، حيث وجد أن الأشخاص ذوي الميول نحو العنف لديهم مشكلات كثيرة في التواصل والتفاعل الاجتماعي مما يضعهم في كثير من الأحيان في مواجهات حادة وخطرة مع من يتعاملون معهم ، وهذا يستثير العنف لديهم . لذلك فإن برنامجاً للتدريب على المهارات الاجتماعية كمهارة التواصل ومهارة تحمل الإحباط وغيرها . يمكن أن يؤدي إلى خفض الميول العدوانية لدى هؤلاء الأشخاص .

5) العقاب : أحياناً يؤدي العقاب المناسب ( خاصة إذا كان قريباً من الفعل العنيف زمنيا ) إلى تقليل حدة وتكرار السلوكيات العنيفة من خلال الارتباط الشرطي بين العنف والعقاب . ولكن إذا كانت هناك فترة زمنية طويلة بين الفعل العنيف وبين توقيع العقوبة ، أو كان العقاب غير متناسب مع الفعل العنيف فإن العقاب ربما يؤدي إلى نتيجة عكسية فيزيد من احتمالات زيادة العنف ، وهذا ملاحظ في الحالات التي تتعرض للإيذاء الجسدي والنفسي العنيف حيث يصبحون أكثر ميلاً نحو العنف ، بل ويزداد عنفهم خطورة .

6) الاستجابات المغايرة : وهذه الطريقة تقوم على مواجهة السلوك العنيف بسلوك مغاير تماما يؤدي إلى إيقاف العنف والتقليل من معاودته . وكمثال على ذلك إذا وجد الشخص ذوي الميول العنيفة أن الشخص المقابل يعامله بحب وتعاطف وشفقة فإن ذلك يقلل من إندفاعاته العنيفة ، وهذا مصداق للآية " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " ومثال آخر : أن تقابل الميول العنيفة بالدعابة من الطرف الآخر ، وقد وجد فعلا بالتجربة أن الدعابة والطرافة في المواقف الحادة تقلل من احتمالات العنف . ووجد أيضاً أن إيقاظ الإحساس بالذنب أو الانغماس في نشاط ذهني معرفي ، أو التعرض لبعض المثيرات المحببة للشخص ، كل هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض نزعات العنف .

7) العلاج الدوائي : وهذا العلاج يصبح ذو أهمية خاصة في الحالات المرضية كالاضطرابات العضوية أو النفسية وحتى في غير هذه الحالات وجد أن لبعض الأدوية مثل الليثوم وأدوية الصرع والمهدئات الجسيمة أثراً على نزعات العنف .

الدور الوقائي والعلاجي للحوار :
اتضح مما سبق أن الحوار يمكن أن يلعب دوراً حيوياً وهاماً في خفض مثيرات العنف والإقلال من احتمالات لجوء الأشخاص إلى العنف كوسيلة للتعبير عن أنفسهم أو كطريقة لحل مشكلاتهم أو التخلص من إحباطاتهم ورغم أننا على كل المستويات وفي كل المناسبات ( تقريباً ) نتحدث عن أهمية الحوار ليس فقط كوقاية من العنف وعلاج له وإنما لتحسين نوعية وجودنا الفردي والاجتماعي والإنساني ، رغم كل هذا ، فإن لدينا مشكلات عميقة وعديدة تتعلق بهذه الناحية ، إما بسبب انسداد قنوات الحوار ( كلها أو بعضها ) ، أو بسبب شيوع أنماط غير صحيحة للحوار بيننا . وكلا السببين يؤديان إلى تعطيل عملية التواصل الصحيحة مع ما يتبع ذلك من مشكلات في العلاقات يكون العنف أحد إفرازاتها . لذلك سنحاول في هذه الدراسة أن نستعرض بإيجاز بعض المفاهيم الخاصة بالحوار واستعراض بعض أنماطه السائدة في حياتنا .

أهداف الحوار : وللحوار أهداف ، تتحقق كلما كان الحوار صحياً ، نذكر منها :

1- محاولة فهم الآخرين .

2- إقناع الآخرين بوجهة نظر معينة .

3- الوصول إلى صيغة من التفاهم والتعايش والتكامل .

4- الارتقاء بالوجود البشري عن طريق تبادل وتكامل وتراكم الخبرات .

مرجعية الحوار :
كلما كانت هناك مرجعية قوية ومشتركة كلما كان الحوار أكثر إيجابية وتكاملاً ، وعلى العكس كلما ضعفت هذه المرجعية أو تشتتت أو تعارضت كلما تعطلت مسارات الحوار أو ضاقت وأصبح الحوار أقرب إلى الضجيج . ولذلك ففي فترات التحول الاجتماعي - خاصة المفاجئة أو السريعة - نجد أن الحوار يصبح أكثر صخباً وتشابكاً وتشتتاً نظراً لاختلاف المرجعيات المعرفية للفئات المختلفة اختلافاً شديداً يجعلها لا تملك الحد الأدنى للإتفاق على أي شئ ، وتضيع منها كل الثوابت ويصبح كل شئ قابلاً للطعن والتشكيك والتسفيه .

مستويات الحوار :

1- الحوار الداخلي (مع النفس) : وفى حالة كون هذا الحوار صحياً فإنه يتم بين مستويات النفس المختلفة فى تناغم وتصالح دون إلغاء أو وصم أو إنكار أو تشويه . أما إذا فشل ذلك الحوار النفسي الداخلي فإن الاضطرابات الناتجة ربما تدفع بموجات العنف المتراكمة إلى الخارج أو إلى الداخل فتكون مدمرة للآخرين أو للنفس ذاتها .

2- الحوار الأفقي (مع الناس) : وهو ينقسم إلى قسمين :

أ- حوار بين أفراد المجتمع الواحد الذين يشتركون فى المعتقدات والقيم والمفاهيم . وهذا الحوار يقوم على مبدأ "نصف رأيك عند أخيك" ، ومبدأ " التعاون في الاتفاق والأعذار في الاختلاف ".

ب- حوار بين المجتمعات المتباينة في المعتقدات والقيم والمفاهيم ، وهذا الحوار يجري وفق مبدأ التعايش بهدف تنمية عوامل الخير ، والاشتراك ( رغم الاختلاف ) في أعمار الكون .

3- الحوار الرأسي ( مع الله ) :- وتختلف طبيعة هذا الحوار عن المستويين السابقين حيث يتوجه الإنسان نحو ربه بالدعاء والاستغفار وطلب العون ويتلقى منه سبحانه إجابة الدعاء والمغفرة والمساعدة . وهذا لمستوى إذا كان نشطاً وإيجابياً فإنه يحدث حالة من التوازن والتناسق في المستويين السابقين ( أي فى حوار الإنسان مع نفسه وحواره مع الآخرين ) .
قبول الخلاف كسنة كونية أساس لنجاح الحوار :
إن الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأشياء والحكم عليها ، أمر فطري طبيعي وله علاقة بالفروق الفردية إلى حد كبير ، إذ يستحيل بناء الحياة ، وقيام شبكة العلاقات الاجتماعية بين الناس ذوي القدرات المتساوية والنمطية المتطابقة ، إذ لا مجال - عندئذ- للتفاعل والاكتساب والعطاء ! ذلك أنه من طبيعة الأعمال الذهنية والعملية اقتضاء مهارات وقدرات متفاوته ومتباينة ، وكأن حكمة الله تعالى اقتضت أن بين الناس بفروقهم الفردية - سواء أكانت خلقية أم مكتسبة - وبين الأعمال في الحياة قواعد والتقاء ، وكل ميسر لما خلق له ، وعلى ذلك فالناس مختلفون ( العلواني 1991 ) .

مع من يكون الحوار :
الحوار واجب طول الوقت كلما التقى اثنين أو أكثر من البشر . ونحن نخطئ كثيراً حين نظن أن الحوار يكون فقط بين طبقة المثقفين أو الصفوة ، والأحرى أن يكون الحوار شاملاً لكل مستويات المجتمع وأن يبقى نشطاً ومستمراً ، وتولى عناية خاصة للمجوعات الأكثر قابلية لظهور العنف ( أو ما يسمى بالمجموعات الهشة ) ونذكر منها :

1- فئات السن من 15-25 سنة ، حيث تسبب التغيرات العضوية والنفسية والمصاحبة للمراهقة حالة من عدم التوازن ربما تؤدي إلى العنف عند التعرض لمثيراته . وقد وجد أن المراهق حين تستثار دوافع العنف لديه فإنه يوجه هذا العنف نحو أي شخص أو أشخاص دون تمييز ، وهذا يختلف عن عنف الأشخاص الأكبر سناً والذين يوجهونه غالباً نحو أشخاص لهم بهم علاقة - عادة أحد أفراد الأسرة

2- ( Kaplan and sadock,1994 ) .

3- الأماكن المزدحمة والأحياء الفقيرة ( المناطق العشوائية كمثال ) .

4- الأقليات داخل المجتمع والتي ربما تشعر أنها واقعة تحت ضغط أو حصار من الأغلبية . وكلمة الأقليات هنا لا تقتصر على الأقليات الدينية أو العرقية ، بل الأفضل أن تشمل أي مجموعة ذات فكر أو عقيدة معينة تختلف عن غالبية الناس .

5- الأشخاص الذين سبق تورطهم في أعمال عنف ( في السجون والإصلاحيات ) . وغير صحيح ما يدعيه البعض ويروج له من أنه لا حوار مع من يخرج على القانون ، بل على العكس إن هذه الفئة في حاجة ماسة إلى الحوار قبل وأثناء وبعد تنفيذ العقوبة القانونية عليها . والحوار هنا لا يلغي المسئولية القانونية للشخص عن أفعاله ، وإنما يحاول علاج ما حدث والوقاية من عنف محتمل .

6- مدمني الخمر والمخدرات : فقد ثبت أن 50% ممن قاموا بحوادث قتل أو اعتداء تعاطوا الخمر قبل القيام بهذه الأفعال بوقت قليل ( Caplan and Sadock,1994 ) وهذه الفئة لها مشاكل كثيرة في العلاقات مع الآخرين ، ولقد كان لكاتب هذه السطور تجربة ثرية في التعامل العلاجي مع عدد كبير من المدمنين لعدة سنوات وقد رأى أن الحوار الإيجابي الصحي في المجتمع العلاجي كان له أثر كبير في تحسين سلوكيات هؤلاء الناس رغم تاريخهم الطويل في تعاطي الخمر والمخدرات وفي ارتكاب الجرائم بمختلف أنواعها .

7- الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية خاصة أولئك الذي يعانون من الشعور بالغضب ، أو لديهم ميول عدوانية ، أو لديهم اضطراب في التحكم أو عطب عضوي بالمخ ، أو سبق لهم إشعال النار بالممتلكات أو التبول في الفراش أو القسوة على الحيوانات .

8- الأشخاص الذين تكرر منهم التهديد باستخدام العنف .

9- من لديهم ميول عدوانية نحو رموز السلطة في المجتمع .

10- الأشخاص الذين فقدوا أحد الأبوين أو كليهما في سن مبكر .

11- المتهورون في قيادة السيارات .

12- الفئات التي تشعر بأنها ضحية في المجتمع .

13- الأفراد الذين ينتابهم الشعور بالعجز واليأس .

14- العاطلين عن العمل .

15- الأفراد الذي تعرضوا للإيذاء النفسي أو الجسدي أو كليهما معاً في السجون أو معسكرات الاعتقال .

ألوان من الحوار السلبي ( المهدي 1992 ) :

1) الحوار العدمي التعجيزي : وفيه لا يرى أحد طرفي الحوار أو كليهما إلا السلبيات والأخطاء والعقبات وهكذا ينتهي الحوار إلى أنه " لا فائدة " ويترك هذا النوع من الحوار قدرا كبيرا من الإحباط لدى أحد الطرفين أو كليهما حيث يسد الطريق أمام كل محاولة للنهوض .

2) حوار المناورة ( الكروالفر ) : ينشغل الطرفان ( أو أحدهما ) بالتفوق اللفظي في المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة وهو نوع من إثبات الذات بشكل سطحي .
3) الحوار المزدوج : وهنا يعطي ظاهر الكلام معنى غير ما يعطيه باطنه وذلك لكثرة ما يحتوي من التوريه والألفاظ المبهمة .. وهو يهدف إلى إرباك الطرف الآخر .. ودلالاته أنه نوع من العدوان الخبيث .

4) الحوار السلطوي ( اسمع واستجب ) : نجد هذا النوع من الحوار سائدا على كثير من المستويات ، فهناك الأب المتسلط والأم المتسلطة ، والمدرس المتسلط ، والمسئول المتسلط ... إلخ . وهو نوع شديد من العدوان حيث يلغي أحد الأطراف كيان الطرف الآخر ويعتبره أدنى من أن يحاور ، بل عليه فقط السماع للأوامر الفوقية والاستجابة دون مناقشة أوتضجر . وهذا النوع من الحوار فضلا عن أنه إلغاء لكيان ( وحرية ) طرف لحساب طرف آخر ، فهو يلغي ويحبط القدرات الإبداعية للطرف المقهور فيؤثر سلبا على الطرفين وعلى المجتمع بأكمله .

5) الحوار السطحي ( لا تقترب من الأعماق فتغرق ) : حين يصبح التحاور حول الأمور الجوهرية محظورا أو محوطا بالمخاطر ، يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما إلى تسطيح الحوار طلبا للسلامة أو كنوع من الهروب من الرؤية الأعمق بما تحمله من دواعي القلق النفسي أو الاجتماعي .

6) حوار الطريق المسدود ( لا داعي للحوار فلن نتفق ) : يعلن الطرفان ( أو إحدهما ) منذ البداية تمسكهما ( أو تمسكه ) بثوابت متضاده تغلق الطريق منذ البداية أمام الحوار وهو نوع من التعصب والتطرف الفكري وانحسار مجال الرؤية .

7) الحوار الإلغائي أو التسفيهي ( كل ما عداى خطأ ) : يصر أحد طرفي الحوار على ألا يرى شيئا غير رأيه وهو لا يكتفي بهذا بل يتنكر لأي رؤية أخرى ويسفهها ويلغيها . وهذا النوع يجمع كل سيئات الحوار السلطوي وحوار الطريق المسدود .

8) حوار البرج العاجي : ويقع فيه بعض المثقفين حين تدور مناقشاتهم حول قضايا فلسفية أو شبه فلسفية مقطوعة الصلة بواقع الحياة اليومي وواقع مجتمعاتهم . وغالبا ما يكون ذلك الحوار نوعا من الحذلقة وإبراز التميز على العامة دون محاولة إيجابية لإصلاح الواقع .

9) الحوار الموافق دائماً ( معك على طول الخط ) : وفيه يلغي أحد الأطراف حقه في التحاور لحساب الطرف الآخر إما استخفافاً ( خذه على قدر عقله ) ، أو خوفاً ، أو تبعية حقيقية طلباً للراحة وإلقاء المسئولية كاملة على الآخر .

10) الحوار المعاكس دائماً ( عكسك دائماً ) حين يتجه أحد طرفي الحوار يمينا يحاول الطرف الآخر الاتجاه يسارا والعكس بالعكس وهو رغبة في إثبات الذات بالتميز والاختلاف ولو كان ذلك على حساب جوهر الحقيقة .

11) حوار العدوان السلبي ( صمت العناد والتجاهل ) : يلجأ أحد الأطراف إلى الصمت السلبي عنادا وتجاهلا ورغبة في مكايدة الطرف الآخر بشكل سلبي دون التعرض لخطر المواجهة .

خصائص الحوار الإيجابي (المهدى 1992) :

وبما أن الحوار عملية تبادلية بين طرفين أو أكثر ، وهو يتم من خلال عمليتين أساسيتين هما الإرسال والاستقبال إذن فلنحاول الآن أن نرى كيف يمكن أن يتم الحوار بشكل فعال من خلال تحسين كفاءة الاستقبال (السماع) والإرسال (التحدث) :

1) الاستقبال (أدب الاستماع) :

إن أهم شروط الحوار الناجح مع الآخرين حسن الاستماع والفهم لما يصدر عنهم ، وهذا الاستماع الجيد يعطى فائدة مزدوجة للطرفين فبالنسبة للمتحدث يشعر بارتياح واطمئنان حيث يجد أن الطرف الأخر يحسن الإصغاء له ويعى ما يقوله ، وهذا يعطى فرصة لدوام الحوار والتواصل بشكل جيد وسلس . وبالنسبة للمستمع فإن إنصاته وفهمه الجيد لما يقوله المتحدث يعطيه قدراً من المعلومات وإلماماً بالموضوع يسمح له بالرد المناسب والحوار المناسب . ولكن : ما هى الشروط الواجب توافرها لكي نحقق الاستماع الجيد ؟ ..... والإجابة هي :

· إقبال المستمع بوجه طلق هادئ نحو المتحدث .. مع إعطاء إيماءات المتابعة والفهم من وقت لآخر حتى يتأكد المتحدث أن المستمع معه دائماً .
· عدم إظهار علامات الرفض أو الاستياء بشكل يقطع على المتحدث فرصة الاسترسال إلا إذا كان قطع الاسترسال مطلوباً لذاته .
· عدم إعطاء ردود فعل سريعة ومباشرة قبل أن ينتهى المتحدث من كلامه .
· عدم ملاحقة كلام المتحدث بكلام من المتلقي بشكل سريع ، بل الأفضل السكوت للحظة للاستيعاب وإعادة النظر فى كلام المتحدث ثم ترتيب الأفكار قبل التعليق .
· الفهم الجيد لمحتوى الحديث مع محاولة إعادة ترتيبه إذا أمكن .
· الإدراك الجيد للمشاعر التي يبديها المتحدث أثناء حديثه ، فهذا الإدراك يعطى بعداً هاماً للحديث من خلال التعرف على الانفعالات المصاحبة للموضوع .
· قراءة لغة جسم المتحدث كإشارات يديه وإيماءات رأسه وحركات جسمه .
· أن يحاول المستمع ضبط انفعالاته تجاه ما يسمع ، وأن يتذكر دائماً أن كل شئ قابل لمناقشة والتحاور والأخذ والرد ، وأن الانفعالات الحادة تقطع طريق التواصل الجيد وتعتبر إحدى علامات عدم نضج الشخصية .
· أن لا يعتبر المستمع نفسه فى موقف القاضى الذي يستمع فقط ليقيم محدثه ثم يحكم له أو عليه .

2) الإرسال (أدب التحدث) :
حين يتحدث شخص أمام الناس بهدف توصيل رسالة أو مفهوم معين فعليه أ، يضع فى الاعتبار الأشياء التالية :

* شكل المتحدث ومظهره :

1- يستحب أن يكون المتحدث حسن الشكل ، حسن المظهر ، مهندم الثياب فى بساطة ، وأن يخلو مظهره ولباسه من الأشياء الصارخة والملفتة للنظر حتى لا يشتت انتباه المستمع .
2- يجب أن يقبل المتحدث بوجهه نحو المستمع (أو المستمعين) .
3- ويتأكد المتحدث قبل وأثناء وبعد الحديث أن أعضاء جسمه فى حالة استرخاء وفى وضع مريح ، فلا يأخذ أوضاعاً تؤدى إلى التوتر العصبى أو العضلي ، أو تثير دهشة أو سخرية المستمع .
4- يحرص المتحدث على عدم المبالغة فى إظهار الانفعال إلا لضرورة (كأن يثير حماساً معيناً فى موقف يستدعى الحماس) ، وأن لا يبالغ فى حركات يديه أو جسمه أثناء التحدث .
5- التوسط فى سرعة السرد فلا يكون بالبطئ الممل ولا بالسريع المخل

مضمون الحديث :
إن لمضمون الحديث أثراً هاماً وعليه يتوقف مسار الحوار والمناقشة ، فإذا كان مضمون الحديث ومحتواه جذاباً ومريحاً للمستمع استمر الحوار البناء وآتى التواصل ثمرته ، أما إذا كان محتواه غير ذلك فإن الحوار يصبح دفاعياً أو هجومياً وتكون نتيجته سلبية على الطرفين .
وقد تابع أحد علماء النفس (Gibb,1966) عدداً كبيراً من المناقشات فى عدد من المجالات المختلفة خرج منها بتصنيف مزدوج للمناقشة الدفاعية وكيف يمكن أن تكون مناقشة حيوية حوارية (بن مانع، عن كتاب الانكفاء على الذات ) ، وسوف نورد هذا التصنيف هنا باختصار :

1- التقييم مقابل الوصف : فكلما زاد التقييم من قبل الشخصى المتحدث سواء كان مباشراً أو غير مباشر ، أو كان كلامياً أم من خلال لغة الجسم من نبرات صوت أو حركات ، كلما زاد الموقف الدفاعى لدى المستمع ، وبالرغم من أن المستمع قد لا يقابل التقييم بسلوك دفاعى إلا أن هذا يتم فى حالات قليلة بينما الغالبية تقابل التقييم بسلوك دفاعى ، وإذا أردنا تجنب هذه الحالة فما على المتحدث إلا أن يتبع وصف الحالة المناقشة دون إشعار الآخرين بأنه يحاول تغيير وجهات نظرهم أو تقييم سلوكهم ، عند ذلك يقابل هذا الحديث بارتياح وعدم تحفظ أو هجوم .

2- التحكم مقابل الاختيار : عندما يحاول المتحدث فرض وجهة نظره بطريقة الإقناع القوى بمختلف الطرق المباشرة وغير المباشرة ، يزرع فى المستمع مقاومة هذا التوجه ورفضه ، لأن المستمع يستنتج من سلوك المتحدث هذا أنه ينظر إليه على أنه غير كفء لاتخاذ القرار المناسب بنفسه ومن ثم يأخذ موقفاً دفاعياً يجعل المناقشة تراوح مكانها . غير أن المتحدث عندما يعطى الانطباع فى حديثة أنه يرغب التعاون مع المتحدث إليه يفهم من هذا أن المتحدث يقدر قدرته على البحث عن حل والرغبة فى التعاون وبالتالي فإن المستمع يشترك بطريقة تلقائية تعاونية فى المناقشة ويسهم إسهاماً كبيراً فى البحث عن حل بطريقة تنم عن المرونة وعدم الدفاعية ، ومن ثم الحرية فى مناقشة الموضوع .

3- استخدام الإستراتيجيات مقابل التلقائية :
فعندما يقوم المتحدث باستخدام استراتيجيات مثل الغموض فى الكلام ، أو الدوافع المتعددة ، أو يتكلم بتلقائية غير طبيعية فإن ذلك قد يعبر عن سذاجة وعدم مصداقية أو إمكانية خداع ، وهنا نجد المستمع يتخذ موقفاً دفاعياً ، ذلك أن الناس لا يريدون أن يكونوا ضحاياً للغموض والدوافع الذاتية . لكن المستمع عندما يدرك أن المتحدث يتكلم بتلقائية طبيعية وهى تلك التي تعنى الاستقامة والأمانة والاستجابة حسب طبيعة الأحوال المحيطة ، فإنه يبادل المتحدث بنفس الطريقة ، وهنا تنساب المعلومات المتبادلة ويتم فتح ميدان خصب لتنمية المهارات المختلفة .

4- عدم الإكثرات مقابل التعاطف : عندما يكون المتحدث غير مكترث بالموضوع قيد النقاش ويظهر البرود حياله ، يفقد النقاش الحيوية والاهتمام ، ويجعل المستمع غير متحمس ، ويصبح مستمعاً سلبياً ومتحدثاً دفاعياً أو هجومياً . ولكن عندما يكون المتحدث متحمساً ومتعاطفاً مع الموضوع فإن ذلك يجعل المستمع جاداً فى استماعه وحديثه ، يتحدث بتلقائية ويدلى بمعلومات ذات علاقة كبيرة بالموضوع المناقش ويزداد إثراء النقاش وحيويته .

5- التعالى مقابل التساوى : عندما يجعل المتحدث الآخرين يحسون أنه متفوق فى شئ ما سواء فى المكانة أو المال ... الخ ، فإن ذلك يعنى بداية المواقف الدفاعية لدى الآخرين وبداية التفكير فى آثار ومضامين الحديث على المستمع وبالتالي نسيان الموضوع المناقش برمته . لكن المتحدث عندما يفصل للمستمع آثار المشكلة دون أي اعتبار لما ذكر أعلاه ، وأن حل المشكلة عمل جماعي مشترك تحكمه الثقة والاحترام المتبادل ، فإن أي فارق بين الأشخاص بعد ذلك غير ذي أهمية ، وعند ذلك تصبح المناقشة غنية متدفقه بين أطراف النقاش .

6- التصلب مقابل المرونة : إن التصلب فى رأى أثناء مناقشة موضوع أو مشكلة ما يعتبر فى حد ذاته عائقاً فى سبيل النقاش أو حتى يؤدى إلى توقفه . فقد يكون هناك أشخاص يظهرون أنهم ليسوا فى حاجة إلى زيادة معلومات عن المشكلة بينما الواقع غير ذلك ، وهذا مظهر من مظاهر التصلب يحول دون مباشرة الموضوع . إن مثل هذا العمل يجعل الآخرين يقومون بأنماط من السلوك الدفاعى ، وهذا يجعل النقاش فى أضعف مستوى له . لكن عدم التصلب ، أي المرونة فى التنازل عن الرأى عند اللزوم وتقبل آراء الآخريين ، وفى الوقت الذي لا يعنى الأخذ بهذه الآراء ، أمر ضرورى فى سبيل الوصول إلى آراء متفق عليها . ولعل أهم دليل على المرونة وعدم التصلب هو البحث عن حل للمشكلة وتقبل أي أطروحات للحل ووضعها موضع النقاش والتحليل والدراسة.


المصدر

موقع ازهراوي

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق