الخميس، 29 أبريل 2010

من يحكم العالم؟ بقلم الدكتور عصام العريان

ثلاثة أحداث هزّت العالم خلال العقد الماضي، كان آخرها إغلاق المجال الجوي لأوروبا في وجه حركة الطيران لمدة أسبوع، وكان القرار فردياً مفاجئاً للجميع الذين لم يتحسبوا له. سبق ذلك الهلع الذي أصاب العالم بسبب بيانات منظمة الصحة العالمية حول ما سمته 'أنفلونزا الخنازير' وتلاها لوم شديد الآن من أوروبا بسبب عدم دقة بيانات الصحة العالمية.



وكان الأهم والأخطر قبل السنوات الرعب الذي ما زالت تسببه 'الحرب على الإرهاب' والشلل الذي أصاب الاقتصاد العالمي عندما ظهرت عورات سوق المال الأمريكية.



لا شك أن أخطر هذه الحوادث هو ما يخص الجانب الأمني (حرب الإرهاب) والجانب الاقتصادي، إلا أن ما سببته بيانات الصحة العالمية لملايين البشر كان مزعجاً ومقلقاً، ليس فقط نتيجة للخسائر المالية، ولكن لأنه طرح السؤال الأخطر:



من يحكم العالم؟ هل هي الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية؟



ومن يتحكم في أحاسيس البشر بالخطر؟



ومن يقدر على زرع الفزع في النفوس حول صحتهم وسلامتهم؟



وهل هناك من يحاسب هذه الهيئات وهؤلاء الأشخاص؟



من يستطيع الآن محاسبة منظمة الصحة العالمية التي تسببت في خسائر فادحة للحكومات والدول، بينما تربحت شركات أدوية مليارات الدولارات؟



ومن الذي يعوّض ملايين الأفراد الذين تسبب غلق المجال الجوي في أوروبا في تعطيل مصالحهم وتأخير صفقاتهم أو تعطيل إجراءات يقدر البعض الآن حجمها بـ2 مليار دولار على الأقل؟



سابقاً في فترة الشباب قرأنا بانبهار عن فكرة الحكومة الخفية التي تحكم العالم، وكانت كل الكتب التي تتناول ذلك الأمر تشير إلى مجموعات صغيرة من رجال المال والأعمال ومعهم رجال قليلون من الساسة وكهنة وحاخامات من اليهود هم الذين يديرون العالم كله وخاصة أوروبا، ويحركون الناس والزعماء مثلما يحرك لاعب الشطرنج أحجار رقعته (أشهر تلك الكتب كان أحجار على رقعة الشطرنج) في تلاعب خطير بمصائر الأمم والشعوب، بل في إشعال الحروب بمؤامرات خفية.



الآن ومع تحول العالم إلى قرية كونية صغيرة، ومع طغيان سلطان وسائل الاتصالات والنقل نجد أنفسنا أمام ظاهرة واضحة وليست سرية، واجتماعات علنية وليست في الخفاء، تحدد مصير البشرية الاقتصادي والعسكري والصحي والبيئي بل الاجتماعي والإنساني.



بعض هذه اللقاءات الهامة تتم تحت مظلة 'الأمم المتحدة' في مؤتمرات عالمية تريد وضع وفرض وثائق حول الطفل والمرأة والسكان، وهذه الوثائق لها خلفية ثقافية أوروبية في الغالب، علمانية في الأساس، لا دينية دائماً، مما دفع الكنيسة الكاثوليكية دائماً للوقوف ضد هذه الوثائق، مما تسبب في فتح ملفات حرجة تتعلق بالكنيسة ورجالها ووضعها في موقف الدفاع المستمر عن نفسها، خاصة مع تولي بابا جديد له رؤية متحفظة في الأساس، وتم تصنيفه على جناح المتشددين العقائديين.



وغالبية هذه المؤتمرات تتم في إطار مجموعة ضيقة من الدول ورؤسائها مثل مجموعة الدول الثماني أو مجموعة الدول العشرين، وأحياناً يُقال لنا أن هذا الملف تحسمه الدول (5+1) أي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن+ألمانيا، وأحياناً يقال دول الآسيان في جنوب شرق آسيا..إلخ.



وقبل الاستطراد ستجد أن هذه المجموعات لا يوجد بها دولة عربية ذات شأن أو يتم استضافة دولة على سبيل 'ذر الرماد في العيون'، ولا توجد دولة إسلامية في هذه المجموعات باستثناء أندونيسيا وماليزيا في مجموعة الآسيان، وطبعاً تشارك الدول الإسلامية على هامش الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التي تعقدها الأمم المتحدة لإقرار ما قررته الدول الكبرى ولجان الأمم المتحدة مع إضافة لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تعطل أمراً.



هناك قرارات أخطر حددتها الدولة العظمى الأولى (أمريكا) منفردة، وهي التي أعلن فيها الرئيس السابق 'بوش الابن' من ليس معنا فهو ضدنا، وما يحاول اليوم الرئيس 'أوباما' إقراره عبر الكونجرس لإصلاح 'سوق المال' وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي الذي بدأ يتعافى، وشعار 'أوباما' الواضح هو الانحياز لدافع الضرائب الأمريكي ضد أباطرة سوق المال، وهذا ما يهدد تجديد ولاية ثانية له أو يهدد الحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة.



إذن؛ نحن أمام هذا التساؤل الخطير في حياة البشرية اليوم (من يحكم العالم ويتحكم في مصائر الشعوب)، وهو سؤال مطروح منذ قرنين من الزمان على الأقل، وهو ما جعل العالم يخضع لسيطرة استعمارية عسكرية استنزفت القارات القديمة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بشرها وناسها الذين أبيدوا ومواردها الطبيعية، ثم دفع العالم كله ثمناً فادحاً من أرواح عشرات الملايين من البشر في حروب أوروبية باتت عالمية وحروب إقليمية بعيداً عن أوروبا التي تضمن بأرواح أولادها -ذوي الدم الأزرق- بينما تدفع بقية دول العالم من أرواح أولادها لضمان رفاهية الأوروبيين والأمريكيين.



الذي يحكم العالم الآن ويحدد القرارات الخطيرة لا يهمه إلا الرخاء المادي والاقتصادي لأوروبا وأمريكا، ويحتكر المعرفة الغالية في مجالات التحكم مثل: المعلومات والطاقة النووية والكمبيوتر والسلاح والأدوية.



ونحن في عالم 'المفعول بهم' الذي تؤثر فينا قرارات السادة في حلنا وترحلنا، سفرنا وإقامتنا، صحتنا وعافيتنا، أموالنا في البنوك وصناعة السياحة، حتى وصلت إلى مياه النيل وأراضي سيناء وبقية شئون حياتنا، وستصل إلى أولادنا الذين يراد لهم أن يتمردوا علينا، والتدخل في أخص خصائصنا: القيم والثقافة والتقاليد، ماذا علينا أن نفعل؟



أولاً: علينا أن نفيق من الغيبوبة التي أصابتنا طوال العقود، والقرون الماضية.



ثانياً: علينا أن نستعيد ثقتنا بأنفسنا وقيمنا وديننا وحضارتنا ونجدّد ونجتهد لمواكبة العصر.



ثالثاً: علينا أن نتحد كعرب ومسلمين وشرقيين، من كافة الأديان والملل والأعراق ضد هذه الهيمنة الطاغية التي يريدها الأوروبيون والأمريكيون باقية لا تزول.



رابعاً: علينا أن نقول: لا بملء أفواهنا ضد هذه القلة التي تحتكر القرار وأن لا نستسلم لقراراتها.



خامساً: علينا أن نعتمد -بعد الله- على أنفسنا في بناء قدراتنا الذاتية ونجمع قوتنا إلى قوة الآخرين الضعفاء بجوارنا لنشكل تحدياً جديداً.



سادساً: علينا أن نفضح هؤلاء الذين يحكمون ويتحكمون في مصائر البشر الآن، ونفضح النخب المتخاذلة التي تريد لنا أن ننساق وراءهم ونحن مغمضو العيون نسير كالدواب إلى الذبح.



باختصار علينا أن نمتلك الإرادة الحرّة، وهي أثمن ما وهبه الله للإنسان عندما خيّره بقوله تعالى: }مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا{ (19) (الإسراء: 18-19)



صدق الله العظيم

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق