الجمعة، 7 مايو 2010

أزمة الإستراتيجية في منهج التغيير

تعتبر المراحل التي صاغها الإمام البنا رحمه الله كمنهج للتغيير بدءا بالفرد المسلم فالبيت المسلم فالمجتمع المسلم فالحكومة المسلمة ووصولا إلى دولة الخلافة واستاذية العالم هي الصيغة الوحيدة – على عموميتها - التي تتناول الرؤية الاستراتيجية للجماعة .. وبالرغم من أنه رحمه الله لم يؤصل لهذه الرؤية الاستراتيجية شرعيا مما يعني أنها رؤيته الشخصية إلا أن الكثيرين بعده أصبحوا يؤصلون لهذه الرؤية على أنها المنهج النبوي للتغيير مما أعطى هذه الرؤية حصانة من محاولات النقد والتقييم داخل الجماعة لترتقي إلى مرتبة الثوابت في الفكر الإخواني بل ولتصبح واحدة من أهم ثوابته.

لذا فإنني سأبدأ من هذه النقطة: هل التغيير وفق هذه المراحل هو منهج نبوي حقا؟ أي هل قام النبي صلى الله عليه وسلم بتربية الفرد في مكة فنشأ منه البيت المسلم ثم انطلق يربي المجتمع القرشي الذي تحكمه سلطة معادية للمشروع تحاربه وتعذب أفراده وتشن عليه وعلى رموزه حملة تشويه منظمة لكنه بالرغم من ذلك صبر وتحمل حتى تمكن من إتمام مهمته بتربية المجتمع فخرجت منه الحكومة المسلمة ؟!! هذا لم يحدث

هل قام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في المدينة ؟ أي هل يمكن القول بأن مصعب بن عمير رضي الله عنه عندما ذهب إلى المدينة قام بتربية المجتمع (أي قام بتكوين الفرد ثم الأسرة فالمجتمع وأتم هذه المراحل كلها بنجاح في عام واحد)؟ أم أن الأمر كان تهيئة للأوضاع داخل المدينة لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم ولإقامة الدولة فحسب؟!

وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع حالة الانسداد التي حدثت في مكة منذ العام العاشر (عام الحزن) إلى العام الثالث عشر للبعثة بعد نجاح السلطة المعادية للمشروع في وقف انتشار الإسلام بحملات التعذيب والتشويه؟ هل أصر على أنه سيكمل مشروعه بتربية المجتمع تحت هذه السلطة المعادية للمشروع مستعينا بالصبر ومواجها التعذيب بالاحتمال وعدم الرد ؟ وكيف سيكون الأمل في نجاحه صلى الله عليه وسلم في تربية المجتمع إذا اتبع هذه الطريقة؟

وما هو سر نجاح مصعب بن عمير رضي الله عنه في تهيئة المدينة لإقامة الدولة ؟ أليس تبني السلطة في يثرب (سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسعد بن زرارة ) للمشروع الإسلامي؟ فإذا رفض هؤلاء الزعماء المشروع الإسلامي كم سيكون احتمال نجاح مصعب بن عمير في تهيئة مجتمع يثرب لإقامة الدولة؟ ألن يصبح الأمر مشابها لمحاولة النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف؟ (عبدالله بن أبي بن سلول على الرغم من أنه لم يقبل المشروع الإسلامي لكنه لم يتحرك لايقافه ولم يشن عليه حملات تشويه أو تعذيب كالتي شنها زعماء مكة فظل مجتمع يثرب مفتوحا للدعوة)

إن السبب الرئيسي في حالة الانسداد التي نعيشها هو أننا نصر على الجمع بين أربع متناقضات الجمع بينهم مستحيل:
- تغيير جذري ( لا يقف عند القشور بل يصل إلى قلب وعقل وسلوك الأفراد)
- للغالبية العظمى من المجتمع
- في ظل وجود سلطة معادية تحارب المشروع بالقمع والتشويه
- بطريقة سلمية
وهذا غير منطقي ... فلكي نقوم بعملية التغيير هذه لابد أن نغير أحد الشرطين الأخيرين .. أي:

إما ان يكون تغييرا جذريا لغالبية المجتمع في ظل وجود سلطة مرحبة بالمشروع ومتبنية له بطريقة سلمية لا إكراه فيها للأفراد على المشروع

أو تغييرا جذريا لغالبية المجتمع في ظل وجود سلطة معادية تحارب المشروع بالقمع والتشويه بطريقة عنيفة تزيح هذه السلطة لنتمكن من إتمام المشروع

لهذا فإننا حين نعمل ونتحرك وفق الظروف الراهنة يجب ألا نقع في خطأين:
الأول:أن نترك التفكير في الخروج من حالة الانسداد هذه ونرفض أي محاولة لنقد المنهج أو تطويره بحجة أن هذا هو نهج النبي صلى الله عليه وسلم في التغيير.. فهذا يورث الجمود ويصرف مجهود الدراسة والمراجعة و التطوير إلى الشكليات والتحسينات لا إلى الأساس (إلى التنفيذ والإجراءات لا إلى الاستراتيجيات والسياسات)

الثاني:أ ن نعظم من أهدافنا ونتصور أننا يمكن أن نتم مشروعنا ونتمكن من تربية المجتمع وإنجاز مرحلة المجتمع المسلم ونحن أسرى هذه الظروف... فتعظيم الأهداف في ظل غياب القدرة على التنفيذ يورث الإحباط واليأس



 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق